عرف الوضع القانونيّ للمجلس الأعلى للقضاء في ظلّ دستور 2014 تحوّلا هاما إذ تحوّل من مجرّد فرع تابع وخاضع للسّلطة التّنفيذيّة إلى كيان دستوريّ قائم الذات يعكس وحدة القضاء "كسلطة مستقلّة تضمّن إقامة العدل وعلويّة الدّستور وسيادة القانون وحماية الحقوق والحرّيات". (الفصل 102 من الدستور عدد خاص للرائد الرسمي للجمهورية التونسية بتاريخ 10 فيفري 2014.)
هذه الوحدة (من مظاهر وحدة المجلس هو إتباع نظام تركيبة موحدّة لكلّ هيكل من الهياكل التابعة للمجلس الأعلى للقضاء، فمجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي جميعها تتركّب في ثلثيها من قضاة أغلبهم منتخبون وبقيّتهم معيّنون بالصفة وفي الثلث المتبقّي من غير القضاة من المستقلّين من ذوي الإختصاص.) الّتي كرّسها الدّستور من خلال الفصل 112 الذي نص على أنّ" المجلس يتكوّن من أربعة هياكل هي مجلس القضاء العدلي ومجلس القضاء الإداري ومجلس القضاء المالي والجلسة العامّة للمجالس القضائيّة الثلاثة..."، مثلت بداية للقطع مع تشتّت القضاء الذي كان في تبعية مطلقة للسلطة التّنفيذيّة هيكليا ووظيفيا.
ولعلّ من أهمّ مكاسب السّلطة القضائيّة في الجمهوريّة التّونسيّة الثّانية إلى جانب إفراد، المجلس الأعلى للقضاء بهيكلة جديدة ومميزة تضمن استقلاليته ( الفصل 114 من الدستور يضمن المجلس الأعلى للقضاء حسن سير القضاء و احترام استقلاله...".) وتدّعم مكانته ضمن بقيّة السّلط الدّستوريّة، إدراج الجهاز القضائي الإداري ضمن باب السّلطة القضائيّة وذلك على عكس دستور1 جوّان 1959 الّذي كرّس نظام الازدواجيّة الوظيفيّة والهيكليّة للقضاء التّونسيّ دون إعتبار المحكمة الإداريّة ودائرة المحاسبات من مكوّنات السّلطة القضائيّة. (الباب الرابع من دستور1 جوان 1959 يتحدث عن السلطة القضائية وتعرّض الباب السادس إلى مجلس الدولة المتكون من المحكمة الإدارية ودائرة المحاسبات.)
فالقضاء الإداريّ (عياض ابن عاشور، القضاء الإداري وفقه المرافعات الإداريّة، مركز النشر الجامعي،2006، "يعرف القضاء الإداري بكونه مجموع الهياكل القضائية التي أوكل لها الدستور والقوانين النافذة مهمّة الفصل في النّزاعات القضائيّة النّاشئة بين الهيآت الإداريّة ومنظوريها عن تصريف النّشاط الإداري باستعمال صلاحيّات السّلطة العامّة، وذلك وفق إجراءات قضائيّة متميّزة." ص.70)كان في حاجة ملحة إلى مراجعة عميقة بما يتّفق مع مقتضيات المعايير الدّوليّة لاستقلال القضاء خاصّة وأنّ التّنظيم المؤقت للسّلط العموميّة أكّد ضمن فصله 22 على أنّ المجلس الوطنيّ التّأسيسيّ يسنّ " قوانين أساسيّة يتولّى من خلالها إعادة تنظيم القضاء وإعادة هيكلة المجالس القضائيّة العليا العدليّة والإداريّة والماليّة وضبط أسس إصلاح المنظومة القضائيّة طبّق المعايير الدّوليّة لاستقلال القضاء"،( القانون التأسيسي عدد 6 لسنة 2011 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 97 لسنة 2011 بتاريخ 23 ديسمبر 2011 ص.7 ) غير أنّ هذا الإصلاح لم يشمل الإ القضاء العدليّ من خلال إحداث الهيئة الوقتيّة للقضاء العدليّ ( الفصل الأوّل من القانـــون الأساسي عدد 13 لسنــة 2013 المؤرخ في 2 ماي 2013 المتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي :"تحدث بمقتضى هذا القانون هيئة وقتية مستقلة تتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية تشرف على شؤون القضاء العدلي تحل محل المجلس الأعلى للقضاء تسمى "الهيئة الوقتية للقضاء العدلي" الرائد الرسمي للجمهورية التونسي عدد 37 لسنة 2013 بتاريخ 7 ماي 2013 ص 1643".) لتبقى المحكمة الإداريّة خاضعة لمجلسها المنصوص عليه بالقانون عدد 67 لسنة 1972 المؤرّخ في 1 أوت 1972 والمتعلّق بتسيير المحكمة الإداريّة وضبط القانون الأساسيّ لأعضائها. ( الفصل 7 نص على «يحدث لدى المحكمة الإدارية مجلس أعلى يتركب على النحو التالي:ا لوزير الأول: رئيس. الرئيس الأول للمحكمة: نائب الرئيس. ومن الأعضاء الآتي ذكرهم: رؤساء الدوائر التعقبية والاستشارية. رؤساء الدوائر الاستئنافية. مندوبو الدولة العامون. الكاتب العام. نائبان عن المستشارين. نائبان عن المستشارين المساعدين. يقع انتخاب نواب المستشارين والمستشارين المساعدين، فيما يخص كلا الصنفين، من قبل المستشارين والمستشارين المساعدين لمدة عامين وتضبط إجراءات الانتخاب بقرار يصدره الوزير الأول. وللكاتب العام صفة العضو المقرر ويتولى إعداد أشغال المجلس وحفظ وثائقه". الفصل 8 من نفس القانون ينص على أن " يجتمع المجلس الأعلى للمحكمة الإدارية بدعوة من رئيسه أو من نائبه عند الاقتضاء ويمكن لنائب الرئيس أن يرأس اجتماعات المجلس.... الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 32 لسنة 1972 بتاريخ 8 اوت 1972 ص.ص.1166-1167)
فبعد تنزيل القضاء الإداري المكانة الدستورية التي يستحقها من خلال إدراجه ضمن باب السلطة القضائيّة واعتباره هيكلا قضائيا قائم الذات يتكون من محكمة إدارية عليا ومحاكم إدارية استئنافية ومحاكم إدارية ابتدائية مختصة بالنظر في تجاوز الإدارة سلطتها وفي النزاعات الإدارية بحسب الفصل116 من الدستور، وسن القانون الأساسي الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤِرخ في 28 أفريل2016 والمتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء، ( الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 35 بتاريخ 29 افريل 2016 ص.ص 1395-1404) وإرساء هذا الأخير وحتى يمتدّ الإصلاح إلى جوهر تنظيم القضاء الإداري وتسييره وضمانات النظام الأساسي لأعضائه ،فإن المجلس الأعلى للقضاء مطالب بالاضطلاع بدوره في ضمان حسن سير القضاء.( Bouguerra Fayçal, « Essai sur la bonne administration de la justice », in La Revue du droit « Infos Juridiques », n° 198/199, avril 2015, p.p. 10-15.)
ذلك أنّ إحداث المجلس ليس غاية في حدّ ذاته ما لم تتبعه خطوات ملموسة لضمان وجود سلطة قضائيّة قوية ومستقلّة لا فقط كلّما تعلّق الأمر بإدارة شؤون القضاة وتأديبهم بل أيضا من خلال السّهر على حسن سير القضاء وضمان المحاكمة العادلة ( الفصل 108 من الدستور" لكل إنسان الحق في محاكمة عادلة في أجل معقول".) وممارسة صلاحياته حسب ما يقتضيه الدستور والقانون ودون أنّ يؤدّي ذلك إلى إفلاته من الرّقابة. (المجلس يخضع لرقابة السلطة التشريعية عند مناقشة ميزانيته وتقريره السنوي أمام مجلس نواب الشعب التي اقتضاه الدستور ضمن الفصل 113 و114.)
من الواضح أنّ القضاء الإداريّ باعتباره مكوّن من مكوّنات السّلطة القضائيّة يخضع لإشراف وتسيير المجلس الأعلى للقضاء إلا أنّ الصّلاحيّات القانونيّة المسندة للمجلس الأعلى للقضاء في علاّقة بالقضاء الإداري توزّعت بين ما هو من صميم اختصاص مجلس القضاء الإداريّ (1) وما هو مسند إلى الجلسة العامّة(2).
1- البت في المسار المهنيّ وتّأديب القضاة من اختصاص مجلس القضاء الإداري:
يعود اختصاص النظر في المسار المهني للقضاة الإداريين بحسب الفصل 114 من الدستور إلى المجلس القضائي المعني "يبتّ كلّ من المجالس الثلاثة في المسار المهني للقضاة وفي التأديب"، وهو نفس التمشي الذي كرسه الفصل 45 من القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى الذي نص على أنه " يبتّ كل مجلس قضائي في المسار المهني للقضاة الراجعين إليه بالنّظر من تسمية وترقية ونقلة، كما يبتّ في مطالب رفع الحصانة ومطالب الإستقالة والإلحاق والإحالة على التقاعد المبكّر والإحالة على عدم المباشرة وفق أحكام الأنظمة الأساسية للقضاة."
وممارسة مجلس القضاء الإداري لاختصاصاته الدستورية تلخصت من خلال نظره في شؤون القضاة بدءا بالتسمية ثم التعيين ثم الترقية ثم النقلة ثم التسمية في الخطط القضائية وصولا إلى تأديبهم.
- تسمية وتعيين القضاة:
تبدو مسألة تسمية القضاة الإداريين (الفصل 19 من قانون عدد 67 لسنة 1972: يتم تعيين المستشارين المساعدين بمقتضى أمر يصدر باقتراح من الوزير الأول وعرض من الرئيس الأول كما يلي: أ- عن طريق التسمية المباشرة من بين خريجي المرحلة العليا للمدرسة القومية للإدارة الحاملين للأستاذية في الحقوق أو لشهادة معادلة لها. ب- عن طريق مناظرة تنظم بقرار من الوزير الأول وتتضمن دراسة شهادات وأشغال وملفات المترشحين ومناقشة مع أعضاء اللجنة وتفتح: للمترشحين الحاملين لشهادة الدراسات المعمقة في القانون العام، أو لشهادة معادلة لها، مع الأستاذية في الحقوق أو شهادة معادلة لها. للأعوان من الصنف –أ- الذين لا يتجاوز سنهم خمسا وثلاثين سنة في تاريخ فتح المناظرة والحاملين للأستاذية في الحقوق أو لشهادة معادلة لها ولا تقل أقدميتهم عن خمس سنوات عملا مدنيا فعليا في هذا الصنف.) الراجعة بمقتضى النص للمجلس القضائي باعتباره المختص بالبت فيها، لا تطرح أيّ إشكال عند تناولها من قبل مجلس القضاء الإداري على اعتبار أنّ الدستور حدد ضمن الفصل 106 أنّ يسمى القضاة بأمر رئاسي بناء على رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء.
إلا أنه وبمناسبة تعيين القضاة الجدد المنتدبين للعمل بالدّوائر الجهوية المتفرعة عن المحكمة الإداريّة ( الأمر الحكومي عدد 620 لسنة 2017 المؤرخ في 25 ماي 2017 المتعلق بإحداث دوائر ابتدائية متفرعة عن المحكمة الإدارية بالجهات وبضبط نطاقها الترابي تحدث اثنتا عشرة (12) دائرة ابتدائية متفرعة عن المحكمة الإدارية بالجهات، الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 42بتاريخ 26 ماي 2017 ص.1901) طرح إشكال بخصوص الجهة المختصة بالتعيين هل هي مجلس القضاء الإداري أم رئيس المحكمة الإداريّة وانتهى المجلس في الأخير إلى اعتبار أنّ التّعيين الأوّل في الدّائرة لا يعتبر نقلة، حتّى و إن كانت دائرة جهويّة، وبالتّالي فهو لا يعرض على أنظار المجلس ضرورة أنّ الدوائر الجهويّة المحدثة لا تعد محاكم جديدة وبالتالي فإنه وإعمالا لما أسنده القانون المتعلّق بالمحكمة الإداريّة لرئيس المحكمة من اختصاص التعيين ( الفصل 14 من القانون الأساسي عدد 40 لسنة 1972 المؤرخ في 1 جوان 1972 اقتضى انه "يتولى الرئيس الأول تعيين أعضاء المحكمة بمختلف الهيئات القضائية والاستشارية. ويعدّ في بداية كل سنة قضائية قائمة اسمية في الأعضاء المكلفين بأعمال التحقيق أو بأعمال القضاء أو بكليهما بالهيئات المذكورة. فان ذلك ينسحب على هذه الدوائر. الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 32 بتاريخ 2جوان 1972 ص 789)
-ترسيم القضاة:
يعد الترسيم من صميم المسائل المتعلّقة بالمسار المهني للقضاة الإداريين بالرغم من أنّ الفصل 45 من القانون المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء لم يدرجها صراحة ضمن مجال اختصاص المجلس، إلا أنه وتفعيلا للفصل 78 من نفس القانون الذي اقتضى أنه يتواصل العمل بالقانون عدد 67 لسنة 1972 المؤرخ في 1 أوت 1972 والمتعلّق بتسيير المحكمة الإداريّة وبضبط القانون الأساسي لأعضائها فيما لا يتعارض مع هذا القانون، فإن تعهد مجلس القضاء الإداري بالنظر فيها تم على أساس الفصل 20 منه الذي نص على أنّ " يخضع المترشحون الناجحون بمقتضى الفصل السابق لمدّة تأهل قدرها عامان تقع بانتهائها تسميتهم مستشارين مساعدين بعد موافقة المجلس الأعلى."
-الترقية:
لئن اقتضى الفصل 17 من القانون عدد 67 لسنة 1972 أنّ الترقية إلى رتبة مستشار لا تكون إلا بعد استيفاء الشرط المتعلّق بقضاء ست سنوات في رتبة مستشار مساعد والإدراج بقائمة كفاءة طبقا للفصل سالف الذّكر، فإن مجلس القضاء الإداري ومحاولة منه للتوفيق بين ما ورد بالقانون المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء الذي نص على أنه" يتولّى كلّ من المجالس القضائيّة الثلاثة إعداد جداول سنوية للترقية وفقا لأحكام الأنظمة الأساسية للقضاة"، تجاوز في إعمال صلاحياته ما جرى عليه العمل بمقتضيات قانون الوظيفة العموميّة، حيث اقضى الفصل 31 من القانون عدد112 لسنة 1983 المؤرّخ في 12 ديسمبر 1983 المتعلّق بضبط النظام الأساسي العام لأعوان الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية ، أنّه "بالنّسبة لكلّ رتبة لا يمكن إعداد سوى قائمة كفاءة واحدة كلّ سنة."( الرائد الرسمي للجمهورية التونسية 82 بتاريخ 13 -16ديسمبر 1983 ص.4331)
إذ تولى مجلس القضاء الإداري في مرحلة أولى إعداد قائمتي كفاءة تأخذ بعين الإعتبار تاريخ استيفاء المستشار المساعد لشرط ستّ سنوات عمل، وفي مرحلة ثانية خلص إلى الإعلان عن حركة قضائيّة أخذت بعين الاعتبار حقوق كافة القضاة والّتي تضمّنت ولأوّل مرة ترقية ثلاثة وعشرين (23) مستشارا مساعدا إلى رتبة مستشار بعنوان سنة 2018 بعد الوقوف على استيفاء شروط الترقية مع إقرار الأثر الرجعي لمفعول الترقية والأثر المستقبلي.
-النقلـــة:
إن إعمال ما نص عليه القانون من إعداد حركة سنوية يقتضي بالضرورة تفعيل آلية النقلة إلا أنّ خصوصيّة القضاء الإداري وعدم اكتمال هيكلته الجديدة بما تقتضيه من وجود محاكم ابتدائية واستئنافية ومحكمة إدارية عليا جعل من مسألة النقلة في الفترة الأولى لعمل المجلس غير مطروحة ومؤجلة.
إلا أنّ مجلس القضاء الإداري حين نظره في مسألة نقلة القضاة المعيّنين بالمركز إلى الدوائر الابتدائية المتفرّعة عن المحكمة الإدارية بالجهات بادر بوضع ضوابط مرجعية للنقلة مؤكّدا على أنه لا يمكن نقلة رؤساء الدوائر الإبتدائية بالجهات ولا المستشارين والمستشارين المساعدين المعيّنين بالدوائر الإبتدائية بالجهات إلاّ بعد قضاء ثلاث سنوات ( استئناسا في ذلك بما نص عليه الفصل 48 من القانون الأساس المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء ولا يجوز أن تتجاوز مدّة المباشرة في مركز النقلة تلبية لمتطلبات مصلحة العمل ثلاث سنوات إلاّ إذا عبّر القاضي المعني عن رغبة صريحة في البقاء بذات المركز.) على الأقل بمراكز عملهم حرصا على ضمان حدّ أدنى من الاستقرار والاستمرارية في عمل الدوائر المعنية مع الإبقاء على إمكانية المناقلة. ( قرار مجلس القضاء الإداري بتاريخ 27 سبتمبر 2017 المنشور على الصفحة الرسمية للمحكمة الإدارية.) ا
ولعل من أهم المسائل التي طرحت على أنظار مجلس القضاء الإداري خلال السنة القضائية 2020 موضوع النقلة خاصة بعد قضاء السادة القضاة مدة الثلاث سنوات بمراكز عملهم تطبيقا لقرار المجلس المتعلق المؤرخ في 27 سبتمبر 2017 والمتعلق بوضع ضوابط للنقلة.
لذلك ومن أجل وضع معايير واضحة وموضوعية تأخذ بعين الاعتبار الضمانات الدستورية المتمثلة في مبدأ عدم نقلة القاضي بدون رضاه، وحتى تكون هذه المعايير محل قبول واسع من عموم القضاة الإداريين، تولى مجلس القضاء الإداري بعد التشاور مع الهياكل الممثلة للقضاة ضبط معايير النقلة ونشرها لعموم القضاة.( عقد مجلس القضاء الإداري جلسات استماع بتاريخ 18 جوان 2020 مع جمعية القضاة التونسيين واتحاد القضاة الإداريين.)
-الإلحْــاق:
تفعيلا لإختصاصه المنصوص عليه بالفصل 52 القانون الأساسي عدد 34 لسنة 2016 المؤِرخ في 28 أفريل2016 والمتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء والّذي اقتضى أن " تنظر المجالس القضائيّة الثلاثة كلّ فيما يخصه في مطالب الإلحاق"، تولى مجلس القضاء الإداري النظر في مطالب إلحاق القضاة والتي كانت في السابق من صميم اختصاص الرئيس الأول للمحكمة الإدارية وفقا لسلطته التقديرية دون وجود ضوابط في ذلك.
ذلك أنّ الإلحاق سواء كان بصفة اختيارية أو بحكم القانون لم يطرح أي إشكال يذكر في السابق باعتبار أنّ القانون الأساسي للقضاة الإداريين لم يضبط المسألة، إلا أنّ مجلس القضاء الإداري ارتئي خلال جلسة 6 ديسمبر 2018 وضع ضوابط عامة للإلحاق تأخذ بعين الاعتبار حاجيات المحكمة والتوازن العددي للقضاة بين الدوائر وجعل النظر في الإلحاق مقتصرا على المطالب المقدّمة من المستشارين( المذكرة الصادرة عن رئيس مجلس القضاء الإداري عدد66/2018) دون غيرهم وهو توجه لقي معارضة شديدة من قبل الهياكل الممثلة للقضاة انتهى بالطعن بالإلغاء في القرار المذكور.
ـ التّسمّية في الخطط الوظيفيّة:
لعل ما ميز عمل مجلس القضاء الإداري عند نظره في مطالب الترشح للخطط والوظائف القضائيّة من الناحية الشكلية هو إحترام الأجل المنصوص بالفصل 50 من قانون المجلس الأعلى للقضاء الذي اقتضى أنّ ترفع مطالب الترشح للخطط والوظائف القضائيّة في أجل أقصاه شهر من تاريخ الإعلان عن قائمة الشغورات وذلك على عكس بقية المجالس القضائية التي ذهبت في اتجاه اختصار أجل تقديم مطالب الترشح ، أما من الناحية الأصلية فقد بادر المجلس منذ جلساته الأولى بإقرار معايير موضوعيّة عند نظره في الترشحات للخطط القضائيّة (قرار مجلس القضاء الإداري بتاريخ 30 ماي 2017 والذي نص على أنه " يقع عند فحص الترشّحات للخطط القضائيّة اعتماد المعايير الآتية وذلك إلى حين صدور القانون الأساسي الجديد لأعضاء المحكمة الإدارية. أولا: الأقدمية الفعلية في الخطة، ثانيا: عند التساوي الأقدمية الفعلية في الرتبة، ثالثا: عند التساوي الأقدمية الفعلية في القضاء الإداري، رابعا: عند التساوي الأقدمية العامة في الإدارة العمومية (بصفة عون عمومي قار)، خامسا: عند التساوي إعتماد السن") كاعتماده لمبادئ تكافؤ الفرص والشفافية والكفاءة والحياد والاستقلالية المنصوص عليها بالفصل 45 من القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء.
-رفع الحصـانة:
لئن اقتضى الفصل 104 من الدستور أن القاضي يتمتّع " بحصانة جزائية، ولا يمكن تتبعه أو إيقافه ما لم ترفع عنه"، فإنّ ذلك لا يمكن أنّ يفهم منه تحصين القاضي مطلقا من أي تتبّع وجعله خارج دائرة المساءلة، وأن رفعها لا يعد قرينة على الإدانة بقدر ما هو إجراء قانوني لفسح المجال للتتبعات العدلية من أجل الوقوف على حقيقة ما ينسب إلى القاضي. (الفصل 16 من مبادئ أساسية بشأن استقلال السلطة القضائية اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة بتاريخ 6 ديسمبر 1985 كما اعتمدت بموجب قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 40/32 المؤرخ في 29 نوفمبر 1985:" ينبغي أن يتمتع القضاة بالحصانة الشخصية ضد أي دعاوى مدنية بالتعويض النقدي عما يصدر عنهم أثناء ممارسة مهامهم القضائية من أفعال غير سليمة أو تقصير، وذلك دون إخلال بأي إجراء تأديبي أو بأي حق في الاستئناف أو في الحصول على تعويض من الدولة، وفقا للقانون الوطني".)
هذا ما عمل مجلس القضاء الإداري على تأكيده عند بتّه في مطالب رفع الحصانة من خلال وضعه لضوابط أساسية لهذا الإجراء بغاية حماية استقلالية القضاة من الضغوطات التعسّفية والنأي بهم عن التتبعات الموظفة لغاية التأثير عليهم وحمايتهم من الشكايات الكيدية.
-تأديب القضاة:
يعتبر المسار التأديبي من أهم وأخطر المواد التي أسند المشرع إختصاص النظر فيها إلى المجالس القضائية (الفصل 58 من القانون الأساسي المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء نص على أنّ " كلّ مجلس قضائي ينظر في تأديب القضاة الرّاجعين إليه بالنّظر") المطالبة بتوفير كلّ الضمانات الإجرائية للقضاة كلما حركت الدّعوى التأديبية ضدهم.
لكن تفعيل الإجراءات التي جاء بها القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء من قبل مجلس القضاء الإداري بقى متوقفا على وجود حلقة أساسية من حلقات المسار التأديبي وهي التفقدية العامة للشؤون القضائية (الفصل 59 من قانون المجلس الأعلى للقضاء:"توجّه الشّكايات المتعلّقة بالأفعال المنسوبة لأحد القضاة إلى وزير العدل أو إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء "الّذي يحيلها وجوبا و على الفور إلى التّفقّديّة العامّة للشّؤون القضائيّة لإجراء الأبحاث اللاّزمة.") التي وبالرغم من دورها الهام، فإن عدم إرسائها لم يمنع مجلس القضاء الإداري من النظر في ملف تأديبي متعلق بأحد القضاة مفعلا بذلك الفصول المتعلقة بالتأديب الواردة بالقانون الأساسي للقضاة الإداريين خاصة وأن الفصل 78 من قانون المجلس الأعلى للقضاء إقتضى أن "يتواصل العمل بأحكام القانون الأساسي عدد 67 لسنة 1972 المؤرخ في 1 أوت 1972 والمتعلق بتسيير المحكمة الإدارية والنظام الأساسي لأعضائها، فيما لا يتعارض مع هذا القانون".
إن عدم إعمال الإجراءات الأساسية التي جاء بها القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء يرجع لعدم اكتمال حلقة أساسية من حلقاته وهي التفقدية العامة للشؤون القضائية التي لم يتم إرساؤها والتي تلعب دورا مهما في مسار الضمانات التأديبية للقضاة انطلاقا من الفصل 59 من نفس القانون والذي يقتضي أن توجه الشكايات والبلاغات والإعلامات المتعلقة بالأفعال المنسوبة لأحد القضاة والتي من شأنها أن تكون سببا في تحريك المساءلة التأديبية إلى وزير العدل أو رئيس المجلس الذي يحيلها وجوبا وعلى الفور إلى التفقدية العامة للشؤون القضائية لإجراء الأبحاث اللازمة وللمتفقد العام أن يتعهد بها من تلقاء نفسه.عند انتهاء الأبحاث يتولى المتفقد العام اتخاذ قرار معلل إما بالحفظ أو بالإحالة.
هذه الصّلاحيّات الّتي أقرّها المشرّع لفائدة المتفقّد العامّ للشّؤون القضائيّة، في علاقتها بالمجلس الأعلى للقضاء، قد تجعل للمتفقّد العامّ مكانة جديدة في المنظومة القضائيّة خاصة وأن القضاء الإداري وعلى عكس القضاء العدلي لم يعرف طوال الفترة السابقة مؤسسة التفقد.
2- صلاحيّات واسعة للجلسة العامّة:
توزعت صلاحيات الهيكل الجامع للمجالس القضائيّة الثلاث (الجلسة العامّة) في علاقتها بالقضاء الإداري بين ممارسة الرقابة على أعمال المجلس وتفعيل سلطتها الترتيبيّة إلى جانب الدور الاستشاري بخصوص مشاريع القوانين التي لها علاقة بالقضاء الإداري.
تفعيلا لما نصّ عليه الدستور في الفصل 106 "يسمّى القضاة بأمر رئاسي بناء على رأي مطابق من المجلس الأعلى للقضاء" والفصل 42 من قانون المجلس على أنه من بين صلاحيّات الجلسة العامّة "إصدار الرأي المطابق وتقديم الترشيح الحصري"، أقرت الجلسة العامّة لنفسها منذ جلساتها الأوّلى الرقابة الدنيا على أعمال المجالس القطاعيّة بمناسبة إصدار الرأي المطابق وتقديم الترشيح الحصري، من خلال إعتبار أنّ دورها لا يقتصر على مجرّد إحالة مشروع أمر التّسمية إلى رئاسة الجمهوريّة لإمضائه ونشره بالرائد الرسمي بل أنّ لها سلطة الرفض كلما تبين وجود خروقات إجرائيّة.
ما يفهم من إقرار سلطة الرقابة على أعمال المجالس القضائيّة أنّ الجلسة العامّة عند انتصابها لإصدارها الرأي المطابق بخصوص تسمية القضاة لا يمكن أنّ تتحول إلى مجرد "ساعي بريد" يقتصر دورها على مجرد الإحالة، وإنّما هي مخوّلة لممارسة رقابتها المنحصرة في حالات الخطأ البيّن والانحراف بالإجراءات، كعدم احترام إجراءات الإستدعاء للجلسات أو القواعد المتعلّقة بالنّصاب أو احتساب الأصوات، ولكن هذه القراءة على وجاهتها لا يمكن التوسع فيها حتى لا يتمّ احتكار السلطة التقريرية من الجلسة العامّة مقابل تجريد المجالس القطاعية من سلطة القرار المسندة لها بصريح النص حين البت في المسارات المهنيّة للقضاة.
ولكن الجلسة العامة إنتهت عند نظرها في تسميات مجلس القضاء الإداري المحالة إليها من قبل مجلس القضاء الإداري إلى نفي صفة القرار عن بتّ المجالس القطاعية في المسار المهني للقضاة بالإستناد إلى أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 42 من قانون المجلس الأعلى للقضاء، وبتعلّة أنّه لا معنى لتلك المقتضيات إن لم تكن للجلسة العامة سلطة الفصل في تسمية القضاة، وتمّ على أساس ذلك رفض تسميات القضاء الإداري ومطالبة المجلس بتصحيح ما شاباته من اخلالات من خلال الاستغناء عن صيغة "قرر مجلس القضاء الإداري "واستبدالها بعبارة يقترح على الجلسة العامة إصدار الرأي المطابق.
هذه القراءة الموسعة للفصل 42 تتعارض مع ما ورد بالفصل 45 من نفس القانون الذي منح سلطة البت إلى المجالس القضائية ولم يسند للجلسة العامة إلا سلطة إصدار الرأي المطابق، وهو توجه غير مجدي لأنّ الفصل 114 من الدستور أسند هذا المجال صراحة للمجالس القضائية الثلاثة كلّ في مرجع نظره خاصة وقد إستعمل عبارة "تبتّ" التي تعني الفصل في الشيء بصفة قاطعة.
ولأن قواعد الإختصاص تؤوّل تأويلا ضيقا بات من الواجب على الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء الإلتزام بهذا الفصل في الصلاحيات بين الجلسة العامة والمجالس القضائية الثلاثة، ضرورة أنّ الفصل 146 من الدستور نصّ على أنّه " تفسّر أحكام الدستور ويؤوّل بعضها البعض كوحدة منسجمة" بما يجعل من صاحب الإختصاص في الفصلين 106 و107 من الدستور هو المجلس القضائي المعني بالأمر.
كما تولت الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء توجيه توصية إلى مجلس القضاء الإداري لتصحيح إجراءات تعيين القضاة بالدوائر المركزية والجهوية للمحكمة الإدارية وإحالة الملف على الجلسة العامّة، بالرغم من أن صلاحيات الجلسة العامة واضحة ومحددة وهو ما أكدته المحكمة الإدارية بهذا الخصوص عندما اعتبرت أنّ التوصية لا تعد قرارا إداريا مستوفيا لكافة مقوماته وخاصّة منها قابليته للتنفيذ في حدّ ذاته وبالتالي فانه لا يكتسي صبغة القرار النافذ بذاته ولا يعد مؤثرا في المراكز القانونيّة للمخاطبين بأحكامه إضافة إلى انه من شروط أي عمل إداري أن يكون متخذا طبق شروط إجرائية وقانونيّة محددة كإدراجه صلب جدول أعمال مسبق الوضع وأن يكون داخلا ضمن صلاحيات الهيكل المعني." (قرار صادر في مادّة توقيف التنفيذ تحت عدد 4102045 بتاريخ 30 أكتوبر 2018).
إنّ رفض الجلسة العامة إصدار الرأي المطابق بخصوص التسميات في الخطط القضائيّة المعروضة عليه من مجلس القضاء الإداري لم تتوقف عند حد الاخلالات الشكلية الجوهرية عند بسط الرقابة والمنحصرة في حالة الخطأ البين، بل تمّ التوسع فيها عندما تمّ اعتبار أنّ مسألة عدم ترشح أحد الأعضاء بالصفة بالمجلس الأعلى للقضاء إلى خطّة قضائيّة أعلى مسألة أوّلية مرتبطة عضويا بملّف التسميات المقدمة وتمّ تبرير ذلك بحسن تطبيق معايير الترقية وترتيب القضاة والنقلة الصادرة عن مجلس القضاء الإداري، والحرص على سلامة تركيبة المجلس.(قرار الجلسة العامة للمجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 24 جوان 2019 منشور على الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للقضاء).
موقف مجلس القضاء الإداري من قرار الجلسة العامّة الرافض إصدار الرأي المطابق بمناسبة تعهده بملّف التسميات لم يخالف توجهه الأوّل (قرار مجلس القضاء الإداري بتاريخ 16 جويلية 2019) المبني على إقراره بإنعدام أيّ رابطة بين مسألة العضوية داخل المجلس والتسميات في الخطط القضائية ضرورة أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال تعليق التسميات وتعطيل سير مرفق القضاء الإداري استنادا إلى مسألة العضوية الّتي للجلسة العامّة صلاحيّة الفصل فيها استئناسا بفقه قضائها السابق.
هذا التوجه المبدئي لمجلس القضاء الإداري وقع تبنيه من قبل الجلسة العامّة الّتي تولت في مرحلة أوّلى البت في مسألة عضويّة رئيسة الدائرة الاستئنافية بالمحكمة الإدارية وإعتبار أنّ عضويتها منتهية بعد مرور 15 يوما من صدور أمر التسميات بالرائد الرسمي (الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 67 لسنة 2019 المؤرخ في 20 أوت 2019 ص2621) في مرحلة ثانية تمّت المصادقة على التسميات المعروضة عليها.
أما بخصوص السّلطة الترتيبيّة للمجلس الّتي لم ينص الدستور على منحها للمجلس الأعلى للقضاء على عكس الهيئات الدستوريّة ( من ذلك الفصل 126 من الدستور الذي نص على أنه تتمتع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالسلطة الترتيبية في مجال اختصاصها وهو ما أكدته المحكمة الإدارية في قرارها عدد 417831 بتاريخ 22 نوفمبر 2014 :" أنّ السّلطة الترتيبية الّتي تتمتع بها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وفق ما نص عليه الفصل 126 من الدستور تخول لها اتخاذ الإجراءات الضروريّة بهدف تأمين حسن سير العملية الانتخابية أخذا بعين الاعتبار الأسباب الأمنية المتعلقة بسلامة الناخبين والمكلفين بتسيير مراكز الاقتراع والفرز بالنظر إلى التهديدات الإرهابية التي عاشتها البلاد دون المسّ بصفة جوهرية من الحق في الانتخاب." وكذلك الفصل 127 من الدستور تتمتع هيئة الاتصال السمعي البصري بالسلطة الترتيبية في مجال اختصاصها.)
فإنه واستنادا إلى أحكام الفقرة الثانية من الفصل الأوّل من القانون المتعلّق بالمجلس الأعلى للقضاء التي نصت على أنه" يتمتّع المجلس بالاستقلال الإداري والمالي والتسيير الذاتي وله السلطة الترتيبية في مجال إختصاصه"، إعتبرت الجلسة العامّة أنّ المشرّع منح المجلس السّلطة التّرتيبيّة في مجال إختصاصه وأنّه لا وجه قانوني لمواصلة السّلطة التّنفيذيّة ممارسة ما هو راجع إلى مجال اختصاصها.
وانطلاقا من الفصل المذكور تولت الجلسة العامة إصدار قرارات ترتيبية من بينها القرار الترتيبي عدد 2 المتعلّق بتاريخ 12 مارس 2019 المتعلّق بضبط عدد الدّوائر القضائيّة وعدد الدوائر والأقسام الاستشارية بالمحكمة الإدارية بالرغم من أنّه سبق نشر الأمر الحكومي عدد 1049 لسنة 2018 المؤرّخ في 19 ديسمبر 2018 المتعلّق بضبط عدد الدّوائر القضائيّة وعدد الدوائر والأقسام الاستشارية بالمحكمة الإدارية، ( الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 102 لسنة 2018 بتاريخ 21 ديسمبر 2018 ص 5269) ولعل ذلك ما يفسر عدم تجاوب السلطة التنفيذية التي أسند لها صراحة الفصل 94 من الدستور السلطة الترتيبية العامة بمقتضى الفصل 94 من الدستور الذي نص على أنه " يمارس رئيس الحكومة السلطة الترتيبية العامة ويصدر الأوامر الفردية التي يمضيها بعد مداولة مجلس الوزراء..." ، مع هذا التوجه رفضها نشر القرارات المذكورة، ليبقى التساؤل المطروح بخصوص مدى قابلية هذه القرارات للتطبيق في ظل الصعوبات المذكورة.
نص الفصل 114 من الدستور على أنّ تبدي الجلسة العامّة للمجالس القضائية الثلاثة الرأي في مقترحات ومشاريع القوانين المتعلقة بالقضاء وخاصة بتنظيم العدالة وإدارة القضاء واختصاصات المحاكم والإجراءات المتبعة لديها والأنظمة الخاصة بالقضاة والقوانين المنظّمة للمهن ذات الصلة بالقضاء التي تعرض عليها وجوبا، بحسب الفصل 42 من القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء تولى المجلس إبداء الرأي بخصوص بعض مشاريع القوانين التي تهم القضاء الإداري لعل أهمها مشروع القانون المتعلق بمجلة الجماعات المحلية التي وردت بها عديد الفصول القانونية المسندة لاختصاص النظر في نزاعات الجماعات المحلية إلى محاكم القضاء الإداري ( القانون عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9 ماي 2018 المتعلق بمجلة الجماعات المحلية المنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 39 بتاريخ 15 ماي 2018 ص.ص1710-1768) وكذلك القانون الأساسي عدد 15 لسنة 2019 المتعلق بالقانون الأساسي للميزانية المؤرخ في 13 فيفري 2019(الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 15 بتاريخ 19 فيفري 2019 ص.ص484-493).
لئن تمّ منح الجلسة العامة صلاحية تقديم المقترحات بخصوص الإصلاحات الضرورية لضمان حسن سير القضاء، إلا أنه لم يقع تفعيل هذا الدور الهام خاصّة في مرحلة التأسيس بالرغم من مرور أكثر من نصف المدّة النيابة على تركيز المجلس الذي اكتفى بإحداث لجنة مكلفة باقتراح بالإصلاحات القضائيّة.
للمجلس الأعلى للقضاء في نطاق تسييره وإشرافه على القضاء الإداري، صلاحيات واسعة ومهمة، لعل من أهمها ضرورة الدفع نحو تنزيل الهيكلة الدستورية للقضاء الإداري على ارض الواقع من خلال تقديم مقترحات القوانين وإصلاح المنظومة القضائية الإدارية على غرار محكمة المحاسبات.