بقلم عبد الحكيم بن هبري

آليات مكافحة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام في ضوء القانون رقم 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما

وسائل التواصل الاجتماعي
pixabay_social media

 
عبد الحكيم بن هبري: قاضي، نائب رئيس محكمة ايليزي وباحث في القانون في طور الدكتوراه بكلية الحقوق، جامعة الجزائر

 تزداد أهمية البحث في مضمون وحدود حرية الاعلام في الجزائر بالتزامن مع صدور القانون 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما1، وهو القانون الذي جاء إستجابة لدعوة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون بضرورة أخلقة الحياة العامة ووضع حد لخطاب الكراهية الذي عرف إنتشارا رهيبا في الأونة الأخيرة

بحيث لم يستثني أحدا ،لا المواطن البسيط، ولا مسؤولي الدولة بمختلف مستوياتهم ومواقعهم، بل امتد إلى المساس بمقومات الدولة الجزائرية ورموز ثورتها المباركة، ناهيك عن التشكيك والطعن في مقومات الهوية الوطنية، كل ذلك تحت ذريعة حرية التعبير، ولعل ما شجع هذه الممارسات إنخراط أغلب فئات المجتمع في الحراك الشعبي الذي عرفته الجزائر منذ 22 فيفري 2019 والذي شكّل فعلا متنفسا لتلك الفئات للتعبير الحر عن مختلف مطالبها وإديولوجياتها، غير أنّه بقدر ما شكل ذلك الحدث المفصلي في تاريخ الدولة الجزائرية فرصة للسير نحو تكريس أكبر للحريات إلاّ أنّه شكل في المقابل فرصة لدى بعض الفئات ووسائل الاعلام لإطلاق وبث ما بات يعرف اليوم إصطلاحا بالتمييز وخطاب الكراهية.

تأسيسا على ماسبق تهدف هذه الدراسة إلى البحث في مفهوم حرية الاعلام وحدودها القانونية، وهذا بغية التوصل إلى ضبط الحدود الفاصلة بينها وبين ما يعرف بخطاب الكراهية على ضوء القانون رقم 20-05 الساري المفعول المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما، ولا يمكن التوصل إلى ذلك إلاّ من خلال الإجابة على الإشكالية التالية: إلى أي مدى وازن المشرع الجزائري بين الحق في ممارسة حرية الاعلام وبين مكافحة خطاب الكراهية؟

وللإحاطة بهذه الإشكالية تقتضي دراسة آليات مكافحة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام التعرض للحدود الفاصلة بين حرية الإعلام وخطاب الكراهية (أولا)، ومن ثم تبيان دور القضاء في الموازنة بين حرية الإعلام ومكافحة خطاب الكراهية (ثانيا)، إنتهاءا عند إستعراض جملة الأليات المكرسة في القانون رقم 20/05 (ثالثا).

أولا: الحدود الفاصلة بين خطاب الكراهية وحرية الإعلام:

يشكل إصدار القانون رقم 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما نقلة نوعية في مجال السعي لأخلقة الحياة العامة، إلى جانب إعتباره إستجابة لمطالب واسعة بضرورة التصدي لخطابات التفرقة ومحاولة ضرب الوحدة الوطنية بعد الحراك الشعبي المبارك الذي عرفته الجزائر مطلع سنة 2019، فضلا على كون هذا القانون جاء ليسد فراغا تشريعيا في مجال مكافحة جرائم التمييز وخطابات الكراهية، خاصة في ظل الغموض الذي يلف نص المادة 79 من قانون العقوبات2، والتي تمّ تفعيلها بشكل مطرد في الأونة الأخيرة.

تعتبر حقوق الإنسان حقوقا عالمية غير قابلة للتجزئة، فهي حقوق متكاملة ومترابطة. يظهر هذا الترابط والتكامل بوضوح شديدين عند الحديث عن حرية الإعلام كحق من حقوق الإنسان في سياق الحق في الحصول والوصول للمعلومة، ذلك أنّ إعمال الحق في حرية الإعلام من شأنه إتاحة الفرصة لإحياء نقاش مجتمعي متعدد الأوجه يعكس الإهتمامات العامة داخل المجتمعات، ويعبر بفعل عن تعدد الأراء ووجهات النظر، غير أنّ ممارسة هذه الحق لا ينبغي أن يتحول تحت أي ذريعة أو مسمى إلى وسيلة للنيل من حقوق الأخرين في ضمان كرامتهم واعتبارهم واعتقاداتهم سواء الدينية أو الإجتماعية وحتى السياسية، وذلك بتبني خطاب يشجع أو ينشر الكراهية.

جاء في نص المادة 4 من القانون رقم 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما: " لا يمكن الإحتجاج بحرية الرأي والتعبير لتبرير التمييز وخطاب الكراهية". يتضح من خلال هذه المادة أنّ المشرع الجزائري قد أرسى حدودا فاصلة بين مفهوم حرية التعبير وبين ما يعتبر تمييزا وخطابا للكراهية، فمعلوم أنّ الصراع بين الحرية والسلطة يؤدي في كثير من الأحيان إلى الخلط بين ما يعتبر حقا وما يعتبر واجبا، وحسن فعل المشرع، ذلك أنّه كثيرا ما يتم إستغلال حرية التعبير وإتخاذها حجة وذريعة لنشر الأفكار التي من شأنها ضرب إستقرار المجتمع والوحدة الوطنية.

على هذا النحو ينبغي الذهاب نحو وضع مدونة أخلاقية توازن من جهة بين حرية الإعلام كقيمة مضافة في المجتمع وحرية أساسية ينبغي تعزيزها وتكريسها واقعا وممارسة، وبين ضرورة تحصين وسائل الإعلام بكافة أشكالها المسموعة، المكتوبة من الوقوع في خطاب الكراهية، وهنا نشير إلى مبادئ كامدن The Camden principles لسنة 2008 ـ 32009 والتي تشكل تفسيرا تقدميا للقانون والمعايير الدولية ولممارسات الدولة المقبولة حول حرية التعبير والمساواة.

يترتب على وسائل الإعلام كافة حسب مبادئ كامدن من باب المسؤولية الإخلاقية والاجتماعية أن تلعب دورا مهما في مكافحة خطاب الكراهية وتعزيز التفاهم ما بين الثقافات مع الأخذ بعين الإعتبار مايلي:

-التنبه إلى أهمية تغطية الحدث في سياقه الصحيح بكل موضوعية ودقة مع ضمان إعلام الجمهور بالممارسات التمييزية.

- التنبه لخطر الأراء المسبقة والتمييز ضد الأشخاص أو الجماعات المختلفة والتي تعززها وسائل الإعلام.

- تجنب الإشارة غير الضرورية إلى العرق أو الدين أو النوع أو غيرها من الخصائص الجماعية التي تعزز التعصب.

- تغطية الأخبار والقضايا المتعلقة بمختلف المجموعات والمجتمعات وإعطاء أعضائها فرصة للتكلم وإسماع صوتهم بطريقة تساهم في فهم قضاياهم وتعكس وجهات نظرهم.

- وضع ضوابط للمرافق الإعلامية العامة تحظر نشر صور نمطية سلبية للأفراد أو الجماعات على ان يلزمها نطاق عملها تشجيع التفاهم ما بين الثقافات وتعزيز فهم أفضل لمختلف المجموعات والقضايا التي يواجهونها.

ثانيا: دور القضاء في التصدي لخطاب الكراهية في وسائل الإعلام:

تعتبر حماية حرية الإعلام من بين المهام الأساسية المنوطة بالسلطة القضائية في سياق دورها في حماية الحقوق وضمان ممارسة الحريات، وفي هذا الصدد فإنّ إعمال ممارسة حرية الإعلام في الواقع وإخراجها من النصوص وترجمتها في الممارسة تبقى مهددة سواء بالإنتقاص منها من خلال فرض مختلف أشكال الرقابة التقييدية عليها أو حتى مصادرتها لدواعي وإعتبارات مختلفة تختفي وراء مصطلحات فضفاضة غير دقيقة كالمصلحة العليا، والإساءة دون تحديد وسائلها وألياتها ... إلخ.

تعتبر خطابات الكراهية من أكثر الموضوعات إثارة للجدل عند الحديث عن علاقتها بحرية الإعلام، وأنّ كيفية الموازنة بينها وبين ضرورة مكافحة هذا الخطاب يجعل من تدخل الدولة للتصدي له مشروعا4 .

في المقابل أدى غياب تعريفات واضحة للإستثناءات الواردة على حرية الإعلام عندما يتعلق الأمر بخطابات الكراهية والتحريض بصوره المختلفة، إلى فرض قيود موضوعية وغير ضرورية على هذه الحرية في كثير من الأحيان تحت ذريعة حماية الحقوق التي قد تتأثر نتيجة ممارسة حرية التعبير5، وهي ممارسات مرفوضة من منطلق أنّ مكافحة خطابات الكراهية لا ينبغي أن تشكل بأي حال من الأحوال مدخلا للحد من حرية الإعلام، وفي هذا الصدد يقول الأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريس: " التصدي لخطاب الكراهية لا يعني تقييد حرية التعبير أو حظرها، بل يعني منع تصعيد خطاب الكراهية بحيث يتحول إلى ماهو أشد خطورة، وخاصة إذا بلغ مستوى التحريض على التمييز والعدوانية والعنف، وهو أمر يحظره القانون الدولي".

على هذا الأساس يصبح تدخل القضاء كضابط لحرية الإعلام حتمية وضرورة، من منطلق أنّ الحرية المطلقة في ممارسة حرية الإعلام قد تكون له إنعكاسات وخيمة على النظام العام (مثال أحداث ما عرف بشارل إبدو في فرنسا بتاريخ 7 جانفي 2015)، إذ تقول الأستاذة Caroline Grossholz في هذا الصدد أنّ: "حرية التعبير اليوم هي بحاجة لدولة قوية أكثر من إحتياجها لدولة ليبرالية6" .

في ذات السياق إنتهى المجلس الدستوري الفرنسي في قراره رقم 801/2020 بتاريخ 08 جوان 2020 حول تعديل القانون رقم 575-2004 والمتعلق بالنشر في وسائل التواصل الإجتماعي7 إلى أنّ النص على منح الجهات الإدارية أجل 24 ساعة من النشر لإزالة المحتوى الذي يحرض على الكراهية أو الإرهاب، وتخفيضه إلى ساعة واحدة بالنسبة للناشر تحت طائلة عقوبة تتراوح بين الحبس لمدة سنة وغرامة مالية تقدر ب 250.000 أورو، ليس كافيا لإعمال رقابة القضاء على المحتوى وتمكين الجهات المسؤولة عن وسيلة النشر من تحديد العبارات الواجب حذفها. وبهذا تتضح لنا أهمية الموازنة بين ضرورة تكريس حرية الإعلام من جهة ومكافحة خطاب الكراهية من جهة أخرى، وهي من بين المهام التي ينبغي للجهات القضائية إبرازها في أحكامها وإجتهاداتها القضائية.

من الضروري في هذا السياق وضع معايير محددة واضحة لتحديد القيود على حرية الصحافة وعلى حرية التعبير عموما، وفي هذا السياق إنتهت حلقات عمل الخبراء الإقليمية الأربع التي نظمتها المفوضية السامية لحقوق الإنسان في العام 2011 وإعتمدها الخبراء في الرباط (المغرب) في 5 أكتوبر 82012 إلى وضع توصيات نرى أنها مهمة وتحقق الغاية من ضرورة مكافحة خطاب الكراهية عبر وسائل الإعلام من جهة ومن جهة أخرى تضمن للإعلام حريته المكفولة دستوريا، موجهة أساسا للجهات القضائية التي يقع على عاتقها مهمة تحديد محتوى أي خطاب من حيث أنه يشكل خطابا للكراهية أو لا، و هذا التمييز ضروري جدا كونه يتوقف عليه إدانة أشكال محددة من الخطابات قد تخضع لإعتبارات غير موضوعية في معالجتها بالنظر إلى إحتمالية ممارسة التأثير على القضاء سواءا جماهريا أو إعلاميا أو سياسيا.

تتمثل هذه المعايير في:

- البحث عن سياق الخطاب: من المهم جدا عند معالجة أي ملف قضائي وضع الخطاب أو المنشور في السياق الذي قيل فيه عند كتابته أو قوله سواء السياق الإجتماعي أو السياسي.

- النية: وهي من المسائل المهمة الموضوعية التي يختص بها قاضي الموضوع يستنتجها من مضمون الملف وإستجواب الاطراف، فإذا كان أساس الإدانة هو الإقتناع بأنّ الخطاب يشكل فعلا جريمة الكراهية فإنه لابد من التأكيد على أنّ كاتب الخطاب لم يكن متهورا.

- المحتوى والشكل: يشكل محتوى الخطاب التحريضي إحدى النقاط الأساسية التي ينبغي على قضاة الموضوع التركيز عليها وهي عنصر هام في تحديد مدى وجود تحريض على الكراهية. يتضمن تحليل محتوى وشكل الخطاب التحريضي مدى كونه إستفزازيا ومباشرا بالإضافة إلى البحث والتركيز على الشكل والأسلوب وطبيعة الحجج المستعملة في الخطاب والموازنة بين تلك الحجج.

- مدى تأثير الخطاب: وهي مسألة مهمة متصلة في إعتقادنا في تقدير العقوبة المقررة لجنحة خطاب التمييز والكراهية، إذ يقع على قاضي الموضوع البحث في التأثير الذي شكله الخطاب الإعلامي من حيث حدته، إنتشاره، الوسيلة التي نشرته، حجم الجمهور الذي يتتبع تلك الوسيلة.

ثالثا: الآليات المكرسة في إطار القانون رقم 20/05 لمكافحة خطاب الكراهية:

يضمن القانون رقم -05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما جملة من الآليات تعنى بمكافحة خطاب الكراهية. تتمثل هذه الآليات في:

1- الآليات الوقائية من خطاب الكراهية

أولى قانون 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما أهمية بالغة للآليات الوقائية من خطاب الكراهية، من خلال التأكيد على دور الدولة بصفة عامة، والإدارات العمومية بصفة خاصة في مكافحة هذا الخطاب وذلك من خلال توليها وضع إستراتيجية وطنية للوقاية من خطاب الكراهية، وهذا بهدف أخلقة الحياة العامة9. يتضمن هذا الدور على الخصوص وضع برامج تعليمية وتكوينية للتحسيس والتوعية، نشر ثقافة حقوق الإنسان والمساواة، تكريس ثقافة التسامح والحوار وقبول الآخر، إعتماد آليات لليقظة والإنذار والكشف المبكر عن خطاب الكراهية والتمييز، الإعلام والتحسيس حول مخاطر التمييز وخطاب الكراهية وآثار إستعمال وسائل وتكنولوجيات الإعلام والاتصال في نشرهما، وترقية التعاون المؤسساتي.

وإلى جانب الدولة والإدارات العمومية نجد المجتمع المدني والقطاع الخاص اللذان إعتبرهما القانون رقم 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما فاعلين مهمين في الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية، وهذا من خلال إشراكهما في إعداد وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية10، كما يمكن تطبيقا لأحكام المادة 29 من القانون رقم 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما إيداع شكوى أمام الجهات القضائية والتأسيس كطرف مدني في جرائم التمييز وخطابات الكراهية.

في ذات السياق وبهدف الوقاية من التمييز وخطاب الكراهية أنشأ القانون رقم 20-05 المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية11، وهي هيئة وطنية تتمتع بالشخصية المعنوية، والاستقلالية المالية والإدارية موضوعة لدى رئيس الجمهورية12. تتمثل مهام المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية في رصد أشكال ومظاهر التمييز وخطاب الكراهية وتحليلهما وتحديد أسبابهما واقتراح التدابير والإجراءات اللازمة للوقاية منهما13. هذا ويقوم المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية برفع تقرير سنوي إلى رئيس الجمهورية، يتضمن تقييم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية واقتراحاته وتوصياته لتعزيز وترقية الآليات الوطنية للوقاية المعمول بها في هذا المجال ويتولى نشره وإطلاع الرأي العام على محتواه وفقا للكيفيات المحددة في نظامه الداخلي14 .

2- حماية ضحايا التمييز وخطابات الكراهية

إهتم المشرع من خلال القانون رقم 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما إلى جانب الآليات الوقائية من جريمة التمييز وخطاب الكراهية بضحايا هذا الخطاب، حيث جعل الدولة مسؤولة عن التكفل الصحي والنفسي والإجتماعي بهؤلاء الضحايا، وهذا في إطار ما يكفل أمنهم وسلامتهم وحرمتهم الجسدية والنفسية وكرامتهم15، فضلا عن تكفل الدولة بتسهيل لجوئهم إلى القضاء16. يظهر هذا التسهيل من خلال إدراج هؤلاء الضحايا من ضمن الفئات التي تستفيد من المساعدة القضائية بقوة القانون، وبالتالي فالمشرع الجزائري ألغى شرط إثبات عدم القدرة المالية على مباشرة الإجراءات القضائية لفئة ضحايا جريمة التمييز وخطابات الكراهية، إذ يكفي التعرض لإحدى هذه الجرائم ليستفيد من المساعدة القضائية، وهذا في رأينا معيار غير مستساغ، خاصة في حالة ما إذا كان الضحية يتمتع بالقدرة المالية على مباشرة الإجراءات القضائية، على هذا النحو كان من الأحسن عدم إدراج هذا المعيار.

في ذات السياق يستفيد ضحايا جرائم التمييز وخطابات الكراهية من الإجراءات الخاصة بحماية الضحايا والشهود المنصوص عليها في القانون17، وإلى جانب ذلك يمكن لكل شخص ضحية جريمة من جرائم التمييز وخطابات الكراهية أن يلجأ إلى القضاء الإستعجالي الذي يقع فيه موطنه طالبا إتخاذ أي تدبير تحفظي لوضع حد للإعتداء الذي وقع عليه، وهذا تحت طائلة غرامة تهديدية يومية، غير أنّ المشرع الجزائري لم يحدد طبيعة ومضمون هذه التدابير التي يمكن للقاضي الإستعجالي إتخاذها، خاصة وأنّ أغلبية هذه الجرائم يتم إرتكابها عبر مواقع التواصل الإجتماعي أو عن طريق الصحافة المكتوبة أو المسموعة، وبالتالي في هذه الحالة يمكن تصور قيام القاضي الإستعجالي بإصدار أمر إستعجالي يلزم فيه مرتكب الفعل بحذف منشوره إذا كان الفعل المرتكب قد تمّ إرتكابه عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أو إلزامه بنشر تكذيب لما ورد في مقال ما إذا كان الفعل المرتكب قد تمّ إرتكابه عبر الصحافة سواء المكتوبة أو المسموعة.

لا تقتصر حماية ضحايا جرائم التمييز وخطابات الكراهية على الضحايا المقيمين في التراب الجزائري، بل تمتد هذه الحماية لتشمل حتى الضحايا خارج الإقليم الوطني، وهو ما يجعل هذه الحماية تمتاز بخاصية الشمولية، حيث جاء في نص المادة 21 من قانون 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما ما يلي: " زيادة على قواعد الإختصاص المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية، تختص الجهات القضائية الجزائرية بالنظر في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون المرتكبة خارج الإقليم الوطني، إذا كانت الضحية جزائريا أو أجنبيا مقيما بالجزائر.

إنّ الجهة القضائية المختصة هي تلك التي يقع بدائرة إختصاصها مكان إقامة الشخص المضرور أو موطنه المختار".

3- تجريم جرائم التمييز وخطابات الكراهية في ظل القانون رقم 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما

طبقا لنص المادة 30 من القانون رقم 20-05 المتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية مكافحتهما فإنه يعاقب كل من يرتكب فعلا من أفعال التمييز وخطاب الكراهية بعقوبة جنحية تتراوح عقوبتها من 6 أشهر إلى 3 سنوات حبسا وغرامة مالية من 60.000 إلى 300.000 دج، لترتفع العقوبة من سنة إلى 3 سنوات، وبغرامة من 100.000 إلى 300.000 دج في حالة التحريض علنا أو الإشادة أو القيام بأعمال دعائية من أجل إرتكاب هذه الأفعال.

تشدد العقوبات لتصل لحد 5 سنوات حبس وغرامة مالية ب 1.000.000 دج في حالة الإشادة والتشجيع أو تمويل بأي وسيلة كانت الأنشطة أو الجمعيات أو التنظيمات أو الجماعات التي تدعو إلى التمييز والكراهية18، وهي ذات العقوبة المقررة لكل من أنتج أو صنع أو باع أو عرض للبيع أو التداول منتجات أو بضائع أو مطبوعات أو تسجيلات أو أفلام أو أشرطة أو أسطوانات أو برامج للإعلام الآلي أو أي وسيلة تحمل أي شكل من أشكال التعبير التي من شأنها أن تؤدي إلى إرتكاب إحدى الجرائم المكيفة على أنها تشكل تمييزا أو خطابا للكراهية19 .

تشدد العقوبات أكثر إذا كان الضحية طفلا، أو سهّل إرتكاب الجريمة ضعف الضحية الناتج عن مرض أو إعاقة أو عجز بدني أو عقلي، إذا كان لمرتكب الجريمة سلطة قانونية أو فعلية على الضحية أو إستغل نفوذه وظيفته في إرتكاب الجريمة، إذا صدر الفعل عن مجموعة أشخاص سواء كفاعلين أصليين أو مشاركين، إذا إرتكبت الجريمة بإستعمال تكنولوجيات الإعلام والإتصال، فتصل العقوبة في هذه الحالة إلى 5 سنوات حبس إضافة لغرامة مالية مشددة تصل إلى 500.000 دج.، وإذا إقترن إرتكاب أحد الأفعال التي تعتبر تمييزا و خطاب كراهية مع الدعوة لإستعمال العنف فإنّ العقوبة في هذه الحالة تصل لحد 7 سنوات حبس و غرامة مالية تصل 700.000دج20، وإذا كان مرتكب تلك الأفعال عن طريق إنشاء أو إدارة أو الإشراف على موقع إلكتروني أو حساب إلكتروني فتصل حينذاك العقوبة إلى 10 سنوات حبس و غرامة مالية 10.000.000 دج.

يتضح من خلال هذه الدراسة أنّ المشرع ومن خلال القانون 20-05 قد وفّق بين الحق في ممارسة حرية الإعلام كحرية أساسية مكرسة قانونا، و بين ضرورة حماية المجتمع من خطابات الكراهية و التي باتت تشكل تحديا و خطرا حقيقيا للمجتمع الجزائري، من هذا المنطلق لا يمكن بأي حال من الأحوال التحجج بذريعة حرية التعبير لإرتكاب أي فعل من الأفعال التي جرّمها القانون رقم 20-05 تحت غطاء خطاب الكراهية، فهذه الأخيرة لا يهدف المشرع من وراء إقرارها الحد من حرية الإعلام التي تشكل إحدى الحريات الأساسية المكفولة دستوريا، بل يأخذ بعين الإعتبار أنّ هذه الحرية يجب أن تساهم بصورة إيجابية في الوقاية من خطاب الكراهية، و أخلقة الحياة العامة، و نشر ثقافة حقوق الإنسان والمساواة والتساهم والحوار، و قبول الأخر، حسب ما ذهب إليه وزير العدل حافظ الأختام السيد بلقاسم زغماتي.

في المقابل لا ينبغي التعويل على القانون 20-05 فقط لضمان مكافحة فعلية وفعّالة لجرائم التمييز وخطابات الكراهية، بل لابد وأنّ يستتبع ذلك دعم الجهود التي تبذلها الدولة بكافة هيئاتها، وهو الدعم الذي يقع على عاتق المجتمع المدني، والأفراد، إلى جانب ضرورة الذهاب نحو تهذيب الخطاب السياسي والإعلامي، دون إغفال ما للخطاب الديني من أهمية في أخلقة الحياة العامة.

 

1- قانون 20-05، المؤرخ في 28 أفريل 2020، يتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحاتهما، ج.ر عدد 25، الصادرة بتاريخ 29 أفريل 2020.

2- لجأ القضاء الجزائري في غياب نص قانوني واضح يجّرم جرائم التمييز وخطابات الكراهية إلى تفعيل نص المادة 79 من قانون العقوبات والتي تنص على ما يلي: "كل من يعمل بأية وسيلة كانت على المساس بسلامة الوحدة الوطنية، وذلك في غير الحالات المنصوص عليها في المادتين 77 و78 يعاقب بالحبس لمدة سنة إلى عشرة سنوات وبغرامة من 20.000 إلى 100.000 دج، مع جواز حرمانه من الحقوق المشار إليها في المادة 14 من القانون".

3- تم تحضير هذه المبادئ إستنادا إلى مناقشات قامت بها مجموعة من المسؤولين رفيعي المستوى في الأمم المتحدة ومسؤولين أخرين وخبراء من المجتمع المدني وأكاديميين متخصصين في قانون حقوق الإنسان الدولي حول مواضيع حرية التعبير والمساواة في إجتماعات عقدت بلندن في 11 كانون الأول / ديسمبر 2008 وفي 23 و24 شباط/ فيفري 2009. للإطلاع أكثر هذه المبادئ يرجى الإطلاع على الموقع التالي: https://www.article19.org/wp-content/uploads/2009/04/Camden-Principles-ARABIC-web.pdf.

4- راجع الفقرة 2 من المادة 10 من الإتفاقية الأوروبية.

5- أحمد عزت، فهد البنا، نهاد عبود، خطابات التحريض وحرية التعبير: الحدود الفاصلة، مقال إلكتروني متوفر على الموقع التالي: ص.ص 5-6.

6- « Aujourd'hui, la liberté d'expression a plus que jamais besoin d'un Etat certes libéral, mais d'un Etat fort ». Voir : Caroline Grossholz, La liberté d'expression a besoin de l'Etat, AJDA, N° 04, du 09/02/2015, p 186.

7- Décision n° 2020-801 DC du 18 juin 2020 - Communiqué de presse. Loi visant à lutter contre les contenus haineux sur internet. Disponible sur le site : http://www.conseil-constitutionnel.fr.

8- للإطلاع على الوثيقة كاملة يمكن زيادة الموقع التالي: https://www.ohchr.org/Documents/Issues/Opinion/SeminarRabat/Rabat_draft_outcome.pdf.

9- أنظر المواد 5 و6 من القانون رقم 20-05، مرجع سابق.

10- أنظر المادة 7، نفس المرجع.

11- أنظر المادة 9، نفس المرجع.

12- طبقا لنص المواد 11 و 12 من قانون 20-05 يتشكل المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية من (06) كفاءات وطنية يختارها رئيس الجمهورية، ممثل المجلس الأعلى للغة العربية، ممثل المحافظة السامية للأمازيغية، ممثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ممثل الهيئة الوطنية لحماية ترقية الطفولة، ممثل المجلس الوطني للأشخاص المعوقين، ممثل سلطة ضبط السمعي و البصري، (04) ممثلين للجمعيات الناشطة في مجال تدخل المرصد، يتم إقتراحهم من الجمعيات التي ينتمون إليها، إلى جانب ممثلي عدة قطاعات وزارية و الذين يحضرون أشغال هذا المرصد. هذا ويتم تعيين هؤلاء الأعضاء بموجب مرسوم رئاسي لمدة سنة (05) سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.

13- للتفصيل أكثر حول مهام المرصد الوطني للوقاية من التمييز وخطاب الكراهية راجع المادة 10، نفس المرجع.

14- أنظر المادة 14، نفس المرجع.

15- أنظر المادة 16، نفس المرجع.

16- أنظر المادة 17، نفس المرجع.

17- أنظر المادة 19، مرجع سابق.

18- أنظر المادة 33، نفس المرجع.

19- أنظر المادة 35، نفس المرجع.

20- أنظر المادة 32، مرجع سابق.