بقلم أعمر تسبية

آلية الدفع بعدم الدستورية كضمانة جديدة لحماية الحقوق والحريات (التجربة الجزائرية)

Pixabay_Zugang_zu_Justiz

لما كانت الوثيقة الدستورية في أية دولة تعد من الوثائق الأساسية التي تجسد من خلالها إقامة التوازن بين مقتضيات السلطة وبين مقتضيات الحرية، حيث انه يتم توزيع السلطة فيها و ضمان مبدأ التمثيل، فكانت الحاجة إلى وجود رقابة دستورية لضمان مبدأ سمو الدستور، فحيثما وجدت قاعدة قانونية لابد من وجود قاض لحمايتها

 

من هنا ظهرت الضرورة لإحداث هيئة يكفل لها السهر على حماية الدستور من تجاوز وتعدي السلطات المؤسسة داخله والناتجة عنه والمتمثلة في المحكمة الدستورية في الجزائر، وقد حافظ المشرع الدستوري الجزائري على آلية وحيدة لتحريك عمل المحكمة الدستورية وذلك عن طريق الاخطار من الجهات السياسية والمحصورة فقط في رئيس الجمهورية ورئيسي غرفتي البرلمان إلى غاية عام 2016، ما جعل نظام الاخطار المعتمد من قبل المؤسس الدستوري الجزائري لسنة 1996 نظاما قاصرا غير كفيل بضمان وتوفير الحماية الكافية لحقوق وحريات الأفراد، ففعالية الرقابة الدستورية الموكلة للمجلس الدستوري تتضاءل وتتراجع أمام تضييق حق الاخطار وتخويله لهيئات سياسية محدودة في الدولة دون تمكين الأفراد من الاخطار للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم بأنفسهم باعتبارهم أصحاب المصلحة.

غير أن التعديل الدستوري الجزائري لعام 2016 لم يكتف بتوسيع جهات الاخطار إلى الوزير الأول ولعدد من أعضاء البرلمان فحسب، بل أدرج آلية جديدة لم تعرفها التجربة الدستورية الجزائرية من قبل ألا وهي "الدفع بعدم الدستورية" بموجب المادة 188 من القانون 16-01 المتضمن التعديل الدستوري والتي تمثل العصب الجوهري لهذا التعديل.

فطبقا للتعديل الدستوري الجزائري الجديد يجوز للأفراد المتخاصمين في دعوى منظورة قضائيا الطعن في دستورية القوانين التي تنتهك الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور أمام القضاء العادي أو الإداري واختصاص مجلس الدولة إذا كانت الدعوى مرفوعة أمام القضاء الإداري، أو المحكمة العليا إذا كانت الدعوى مرفوعة أمام القضاء العادي في إحالة الطعن إلى المحكمة الدستورية من عدمه.

وعليه تتحدد إشكالية هذه المداخلة: إلى أي مدى يمكن اعتبار آلية الدفع بعدم الدستورية كضمانة جديدة لحماية الدستور وضمانا لسموه في ظل التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2016؟

المحور التمهيدي: لمحة عن المحكمة الدستورية الجزائري

تعد المحكمة الدستورية الهيئة المخول لها مهمة الرقابة على دستورية القوانين بالجزائر، وقد تكرس ذلك بموجب الدساتير الجزائرية المختلفة، وهو ما سيتم التعريج عليه من خلال الإشارة إلى وضع المحكمة الدستورية في ظل الدساتير الجزائرية السابقة عن التعديل الدستوري الحالي في النقاط التالية:

أولا: المحكمة الدستورية في ظل دستوري 1963 و1976.

تبنى واضعو دستور 8 سبتمبر 1963 الفكرة بالنص على إنشاء هيئة تدعى المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية منذ دستور 2020)، مهمتها الفصل في دستورية القوانين والأوامر التشريعية، بطلب من رئيس الجمهورية، أو رئيس المجلس الوطني، حيث نصت المادة 63 منه على أنه: «يتألف المجلس الدستوري من الرئيس الأول للمحكمة العليا، ورئيسي الغرفتين المدنية والإدارية للمحكمة العليا، وثلاثة نواب يعينهم المجلس الوطني، وعضو يعينه رئيس الجمهورية.

ينتخب أعضاء المجلس الدستوري رئيسهم الذي ليس له صوت مرجح1».

هذا يعني أن المجلس الدستوري في ذلك الوقت كان يتشكل من سبعة (7) أعضاء من بينهم رئيس للمجلس الدستوري، حيث نجد أن المؤسس الدستوري جمع بين فكرة التخصص من خلال أعضاء المحكمة العليا، الذين هم عبارة عن قضاة، ومبدأ التمثيل من خلال الأعضاء الأربعة الآخرين الممثلين للسلطة التشريعية، والتعيين من خلال العضو الذي يعينه رئيس الجمهورية2 .

ثانيا: المجلس الدستوري في ظل دستور 1989.

لقد تبنى المشرع الجزائري الرقابة على دستورية القوانين في دستور 1989، ويظهر ذلك من خلال نص المادة 153/1 منه، وقد تم النص على تشكيلته بالمادة 154، والتي جاء فيها: «يتكون المجلس الدستوري من سبعة أعضاء:

اثنان منهم يعينهما رئيس الجمهورية، واثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني، واثنان تنتخبهما المحكمة العليا من بين أعضائها3»، والملاحظ أن المؤسس الدستوري قد حافظ على نفس العدد الذي شكل منه المجلس بالنسبة لدستور 1963، ولكنه قد أحدث تغييرا جوهريا في طريقة تشكيل المجلس الذي كان يقتصر على طريقة التعيين والتخصيص، نجد أنه قد استحدث طريقة الانتخاب إلى جانب التعيين.

كما جاءت نص المادة 155 من نفس الدستور لتحدد مجال الرقابة على دستورية القوانين بقولها: «يفصل المجلس الدستوري، بالإضافة إلى الاختصاصات التي خولتها إياها صراحة أحكام أخرى في الدستور، في دستورية المعاهدات والقوانين، والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية.

كما يفصل في مطابقة النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني للدستور4» .

ومن خلال كل ذلك يتبين لنا أن دستور 1989 قد أحي فكرة الرقابة على دستورية القوانين بعد أن كانت معلقة بداية من دستور 1963، ومغيبة في دستور 1976. وكان ذلك إدراكا من المشرع لمبدأ تدرج القواعد القانونية، وسمو الدستور، وثبات النصوص الدستورية مقارنة مع القوانين العادية، واعتماد فكرة الفصل بين السلطات.

ثالثا: المجلس الدستوري في ظل دستور 1996.

يشكّل المحكمة الدستورية وفقا لدستور 1996 كل من السلطات الثلاث في الدولة (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، ويظهر ذلك من خلال نص المادة 164 منه والتي جاء فيها أن المجلس الدستوري مكون من تسعة (9) أعضاء، ثلاثة أعضاء من بينهم رئيس المجلس يعينهم رئيس الجمهورية، وعضوان اثنان ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني، وعضوان ينتخبهما مجلس الأمة، وعضو واحد تنتخبه المحكمة العليا، وعضو واحد ينتخبه مجلس الدولة.

مما يدفعنا للقول أن هذه التشكيلة للمجلس الدستوري قد جمع فيها المؤسس الدستوري بين طريقة التعيين والتمثيل والتخصيص، كما منح فيها لرئيس الجمهورية نصيبا أكبر من الأعضاء المختارين من طرفه، إضافة إلى منحه امتياز تعيين رئيس المحكمة الدستورية.

أما عن اختصاصات المحكمة الدستورية فقد نصت عليها المادة 5165 من دستور 1996 والتي ذكرت أنه بالإضافة إلى الاختصاصات التي منحها الدستور للمجلس الدستوري فإنه يفصل في دستورية المعاهدات والقوانين والتنظيمات، إما برأي قبل أن تصبح واجبة التنفيذ، أو بقرار في الحالة العكسية.

وفيما يخص الأشخاص المخول لهم إخطار المحكمة الدستورية فقد ذكرهم المؤسس الدستوري في نص المادة 166 من دستور 1996، وهم رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو رئيس مجلس الأمة6 .

رابعا: المحكمة الدستورية في ظل التعديل الدستوري لسنة 2016.

كما هو الحال في دستور 1996 فإن المؤسس الدستوري ومن خلال التعديل الدستوري لسنة 2016 واصل حرصه على وجود هيئة مستقلة مكلفة بالسهر على احترام الدستور7، ولكننا نجد أن تشكيلة المحكمة الدستورية من خلال التعديل الدستوري لسنة 2016 قد ارتفعت لتصبح اثني عشر (12) عضوا، أربعة (4) أعضاء من بينهم الرئيس ونائب الرئيس يعينهم رئيس الجمهورية، واثنان (2) ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني من بين النواب، واثنان (2) ينتخبهما مجلس الأمة من بين أعضائه، واثنان (2) تنتخبهما المحكمة العليا، واثنان (2) ينتخبهما مجلس الدولة8، والملاحظ من نص هذه المادة أن الحظوظ والامتيازات التي منحت لرئيس الجمهورية وقد ازدادت وتضاعفت، حيث أن عدد الأعضاء الذين يعينهم رئيس الجمهورية تضاعف إضافة إلى كونه يمتلك حق تعيين رئيس المحكمة الدستورية ونائبه.

إضافة إلى كون المؤسس الدستوري الجزائري قد استحدث في التعديل الدستوري لسنة 2016 نوعا آخر من الإخطار حيث أنه أصبح يحق للأفراد إخطار المحكمة الدستورية ولو أن هذا النوع من الإخطار يمارس وفق شروط خاصة و بكيفيات معينة إلا أن هذا يعد بمثابة النقلة النوعية، والتي يمكن من خلالها للأفراد المشاركة في تصويب القانون، إذ أنه يمكن للمجلس الدستوري أن يتلقى إخطارا بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، وذلك عند ادعاء أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور9 .

وهذا ما لم نلمسه من قبل في الدساتير السابقة، إذ أن هناك الكثير من الأحكام التشريعية التي أضرت بالأفراد، ولكن لا يمكن إيقاف تطبيقها رغم ذلك لكونها تعد قوانين سارية المفعول، وصالحة لأن تطبق على الأفراد. فكانت تضيع الكثير من الحقوق وتمس العديد من الحريات دون القدرة على استرجاعها لكون القانون فوق الجميع.

خامسا. المحكمة الدستورية في ظل التعديل الدستوري لسنة 2020.

لقد تطرق المؤسس الدستوري في تعديل الدستور إلى تعديل الأحكام الخاصة بهيئة المجلس الدستوري وذلك من خلال تغيير تسميتها لتصبح (محكمة دستورية)، كما غير تشكيلتها وإن كان قد حافظ على 12 عضو إلا أنها بتشكيلة مغايرة حسب المادة 186 التي تنص على: " تتشكل المحكمة الدستورية من \اثني عشر (12) عضوا: أربعة (04) أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية من بينهم رئيس المحكمة، عضو واحد (01) تنتخبه المحكمة العليا من بين أعضائها، عضور واحد (01) ينتخبه مجلس الدولة من بين أعضائه، ستة (06) أعضاء ينتخبون بالاقتراع من أساتذة القانون الدستوري، يحدد رئيس الجمهورية شروط و كيفيات انتخاب هؤلاء الأعضاء."

المحور الأول: الإطار المفاهيمي لآلية الدفع بعدم دستورية القوانين.

إن الدفع بعدم دستورية القوانين هو إجراء دستوري جديد جاء به التعديل رقم 16 – 01 لسنة 2016، والغاية من هذه الآلية هو ضمان الرقابة البعدية على دستورية القوانين، إذ غالبا ما تكشف الممارسة العملية عن وجود قوانين تمس بالحقوق والحريات المكرسة دستوريا وتفشل الرقابة السياسية والبرلمانية السابقة في كشفها، فيجوز للمتقاضي وفقا للتعديل الدستوري الجديد الطعن في النصوص القانونية المخالفة للدستور والتي سوف يتأثر بها حكمه وبالتالي تتأثر بها حقوقه وحرياته الدستورية.

لقد نص المؤسس الدستوري الجزائري بموجب المادة 188 مكرر من التعديل الجديد رقم 16 – 01 أنه: " يمكن إخطار المجلس الدستوري بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، تحدد شروط وكيفيات تطبيق هذه الفقرة بموجب القانون العضوي."

ولقد عدلت احكام هذه المادة بموجب التعديل الدستوري لسنة 2020 والتي أصبحت ترقم ب 195 اين تم توسيع مجال الدفع بعدم دستورية القوانين ليصبح يشمل النص التنظيمي بعدما كان الأمر يتعلق بنص تشريعي وذلك بنصها على: " يمكن إخطار المحكمة الدستورية بالدفع بعدم الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، عندما يدعي أحد الأطراف في المحاكمة أمام جهة قضائية أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور."

أولا: تعريف الدفع بعدم دستورية القوانين.

عرف مجلس الدولة الفرنسي الدفع بعدم دستورية القوانين بأنه: حق الشخص رافع الدعوى المدنية أو الإدارية أو الجنائية إذا أراد مطابقة القانون الذي سيطبق عليه للدستور بواسطة مذكرة مستقلة طالما أن القاضي لا يمكنه أن يثير تلقائيا هذا الدفع10 .

وبصياغة أخرى هو: رقابة تتم بعد دخول القانون حيز النفاذ ويدفع بها أحد الخصوم في قضية منشورة أمام المحاكم كوسيلة للدفاع عن نفسه بحجة ان القانون الذي ينوي القاضي تطبيقه في القضية هو غير دستوري11 .

ثانيا: الجهات التي ينبغي أن يثار الدفع بعدم دستورية القوانين أمامها.

بالرجوع إلى المادة 02 من القانون العضوي 18-16 فإن إثارة الدفع بعدم دستورية القوانين يكون أمام الجهات القضائية الخاضعة لنظام القضاء العادي وأمام الجهات القضائية الخاضعة لنظام القضاء الإداري، كما يمكن أن يثار هذا الدفع للمرة الأولى في الاستئناف أو الطعن بالنقض، وإذا تمت إثارة الدفع بعدم الدستورية أثناء التحقيق الجزائي فتنظر فيه غرفة الاتهام12 .

ولا يمكن إثارة الدفع بعدم الدستورية أمام محكمة الجنايات الابتدائية ويجوز عند مرحلة الاستئناف في الحكم الصادر من محكمة الجنايات الابتدائية بموجب مذكرة مكتوبة ترفق بالتصريح بالاستئناف وتنظر المحكمة في هذا الدفع قبل فتح باب المناقشة13 .

ثالثا: الأشخاص الذين لهم حق إثارة الدفع بعدم دستورية القوانين.

إن الشخص الذي يحق له إثارة الدفع بعدم دستورية القانون هو أحد أطراف الدعوى الذي يدعي أن الحكم التشريعي الذي يتوقف عليه مآل النزاع ينتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور14. وعليه لا يمكن إثارة الدفع تلقائيا من قبل القاضي15 .

رابعا: شروط وكيفيات الدفع بعدم دستورية القوانين.

يتم تقديم الدفع بعدم دستورية القوانين من خلال مذكرة كتابية ومنفصلة ومسببة16 .

وتتولى الجهة القضائية فور استلامها المذكرة إرسال قرار مسبب إلى المحكمة العليا أو مجلس الدولة بعد استطلاع رأي النيابة العامة أو محافظ الدولة وفي هذا الصدد إذا كانت تشكيلة الجهة القضائية تضم مساعدين غير قضاة تفصل دون حضورهم17 .

ويتم إرسال الدفع بعدم الدستورية متى استوفى الشروط التالية18 :

- أن يتوقف الحكم التشريعي أو التنظيمي المعترض عليه مآل النزاع وان يشكل أساس المتابعة.

- ألا يكون الحكم التشريعي أو التنظيمي قد سبق التصريح بمطابقته للدستور من طرف المحكمة الدستورية باستثناء حالة تغيير الظروف.

- أن يتسم الوجه المثار بالجدية.

ويفهم من الشروط أعلاه انه ولقبول الدفع بعدم دستورية القوانين أن تكون هذه الأخيرة نصوصا صادرة عن البرلمان.

وبما أن القوانين العضوية تخضع للرقابة الوجوبية فهي تخرج من إطار الدفع بعدم الدستورية19، كما تخرج النصوص التنظيمية من نطاق الدفع بعدم الدستورية.

وفي هذا الصدد يضيف الباحثون بأن عيب الإجراءات لا يكون محلا للدفع لأن الإجراءات لا تنال من الحقوق الأساسية المقررة للأفراد بمقتضى الدستور، وكذلك لا يجوز الدفع بعدم الدستورية على أساس أن القانون قد انتهك حقوقا مقررة في معاهدات دولية، كما لا يجوز أن يبنى الدفع على أساس ان القانون قد انتهك حقوقا قررت بواسطة قوانين عادية20 .

المحور الثاني: إجراءات تصفية الدفوع بعدم دستورية القوانين

على غرار المشرع الفرنسي، اختار واضعو القانون العضوي الأخذ بنظام الدفع بعدم الدستورية مع فحص مزدوج قبل وصوله إلى المحكمة الدستورية، فتتم عملية التصفية على مرحلتين، فبعد أن يتأكد قاضي الموضوع من استيفاء مذكرة الدفع للشروط المحددة لقبول الدفع بعدم الدستورية المرحلة الأولى، يحيل المذكرة إلى المحكمة العليا أو مجلس الدولة الذي يعود لهما اختصاص إحالتها من عدمه إلى المحكمة الدستورية في مرحلة ثانية.

أولا: الأحكام المطبقة أمام المحكمة العليا ومجلس الدولة

حدد قانون الدفع بعدم الدستورية في المادة 13 منه، مهلة شهرين للبث في مآل النزاع (إما رفض الدفع أو إحالته الى المحكمة الدستورية)، ابتداء من تاريخ إحالة الدفع إليها من قبل قضاة الموضوع، وهذا بعد التحقق من استيفاء الشروط المذكورة أعلاه، و نفس الآجال تحسب إذا ما تم إثارة الدفع لأول مرة أمام المحكمة العليا أو مجلس الدولة21 .

وجاء في المادة 15 من المشروع أنه يوجه قرار الدفع بعدم الدستورية إلى الرئيس الأول للمحكمة العليا أو رئيس مجلس الدولة، الدين يستطلعان رأي النائب العام أو محافظ الدولة، مع تمكين الأطراف من تقديم ملاحظاتهم المكتوبة22 ،

في حالة قبول المحكمة العليا أو مجلس الدولة الدفع، يحال إلى المحكمة الدستورية، بقرار مسبب و مرفق بمذكرات و عرائض الأطراف، و يتعين على المحكمة العليا أو مجلس الدولة إرجاء الفصل إلى حين البث في الدفع بعدم الدستورية، مع مراعاة الاستثناءات المذكورة سابقا23،

ويتعين على المحكمة العليا أو مجلس الدولة أن تبلغ مقررها إلى المحكمة التي أرسلت الدفع بعدم الدستورية، ويبلغ للأطراف في أجل عشرة (10) أيام من تاريخ صدوره، و في حالة انصرام أجل شهرين دون أن تفصل المحكمة العليا أو مجلس الدولة في الدفع يتلقى المحكمة الدستورية مذكرة الدفع بقوة القانون.24

ثانيا: الأحكام المطبقة أمام المحكمة الدستورية

بمقتضى المادة 21 من القانون العضوي المتعلق بالدفع بعدم الدستورية، يقوم المحكمة الدستورية بعد إحالة الدفع بعدم الدستورية إليه، بتبليغه لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني والوزير الأول وإلى الأطراف. اللذين يتعين عليهم الإدلاء بمذكرات كتابية تتضمن ملاحظاتهم بخصوص موضوع الدفع25، وذلك خلال أجال محددة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن القانون لم يحدد الآجال التي يجب أن تلتزم السلطات المذكورة لتقديم ملاحظاتها، ويرى الباحث محمد اتركين أنها عمليا محددة بعشرين يوما26

وتقوم المحكمة الدستورية بتبليغ المذكرات الجوابية المدلى بها للأطراف المعنية بالدفع، الذين يمكن لهم تقديم ملاحظاتهم قبل انصرام آجال التعقيب المحدد لهم، وهي الأخرى لم تحدد في القانون، فعلى المستوى العملي للمجلس الدستوري الفرنسي يتراوح بين 10 و15 يوما27

وتصدر المحكمة الدستورية قرارها في الدفع بعدم الدستورية خلال أربعة أشهر التي تلي تاريخ إخطاره، ويمكن تمديد هذا الأجل مرة واحدة لمدة أقصاها أربعة (04) أشهر بناءا على قرار مسبب من المجلس ويبلغ إلى الجهة القضائية صاحبة الإخطار، وإضافة إلى طول هذه المدة التي من شأنها تعطيل فعالية آلية الدفع وما ينعكس سلبا على حقوق المتقاضين28، فإن هذه آجال لا تعدو أن تكون مجرد آجال تنظيمية، حيث لا وجود لأية جزاءات مقررة في حالة مخالفتها، إذ بإمكان المحكمة الدستورية تجاوزها لأسباب مبررة ومعقولة.29

وحسب المادة 22 من القانون العضوي، تكون جلسات المحكمة الدستورية علنية، ما عدا الحالات الاستثنائية المحددة في النظام المحدد لقواعد عمله،30 لكن الملاحظ أن النظام الداخلي المحدد لقواعد عمل المحكمة الدستورية لم يحدد هذه الاستثناءات ونص فقط على أنه تكون جلسات المحكمة الدستورية مغلقة31، فنقترح إضافة فقرة ثانية للمادة 20 من النظام الداخلي لعمل المحكمة الدستورية والنص على أن تكون المداولة علنية في حالة البث في الدفع بعدم الدستورية، تحديد الحالات الاستثنائية التي تستوجب أن تكون الجلسات مغلقة. وقد حددها المشرع الفرنسي في النظام الداخلي المتبع أمام المحكمة الدستورية بخصوص المسألة الدستورية ذات الأولوية " إذا كان في مصلحة النظام العام أو إذا كانت تتطلبه مصالح القاصرين أو الحياة الخاصة بالأفراد".32

ونصت المادة 23 من القانون العضوي على أن انقضاء الدعوى الأصلية التي تمت بمناسبتها إثارة الدفع بعدم الدستورية، لا تؤثر لأي سبب كان على الفصل في الدفع بعدم الدستورية الذي تم إخطار المحكمة الدستورية به33. فالإحالة إلى المحكمة الدستورية، تستوجب بث هذا الأخير في المسألة المعروضة عليه بغض النظر على مآل الدعوى الأصلية ومهما كان سبب انقضائها (التنازل، موت أحد الأطراف...) فالمسلة لم تعد شأنا للأطراف، وإنما تصبح دعوى موضوعية وتتحول عمليا الى مراقبة مجردة، ويقوم المحكمة الدستورية بالبث في دستورية المقتضى التشريعي بغض النظر عن النزاع القائم بين الأطراف.34

يبلغ قرار رئيس المحكمة الدستورية إلى رئيس المحكمة العليا أو رئيس مجلس الدولة، لإعلام الجهة القضائية التي أثير أمامها الدفع بعدم الدستورية 35، والقانون العضوي رقم18ـ16 لم يحدد أجل التبليغ، وقد حددها المشرع المغربي بثمانية أيام من تاريخ صدور القرار36 ،

وقد أغفل القانون العضوي ذكر إلزامية تعليل قرارات المحكمة الدستورية الصادرة بخصوص الدفع بعدم الدستورية في حين أن المادة 24 من النظام المحدد لقواعد عمل المحكمة الدستورية نصت على أن آراء وقرارات المحكمة الدستورية تكون معللة37.

وقد حدد القانون العضوي تاريخ 07 مارس 2019 لدخول القانون حيز التنفيذ.

وخلاصة القول، أن اعتماد الدفع بعدم الدستورية يعد وجه جديد من أوجه الإخطار الذي كان منحصرا في السلطات التنفيذية والتشريعية، كما أن اعتماد هذه الآلية تشكل مكسب للأفراد في الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وتحصينها من أي انتهاكات، باعتبار أن الفرد محور كل التشريعات، وهو من يحتك بها.

و و لقد بدأ تفعيل هذه الآلية في الميدان، بحيث أنه قد تم تسجيل عدة دفوع بعدم دستورية القوانين، اين استجابت المحكمة الدستورية للبعض منها بالقبول مثلما هو الشأن عندما حكمت بعدم دستورية المادة 416 الفقرة الأولى (بموجب قرارها المؤرخ في 20-11-2019 المنشور في الجريدة الرسمية العدد 77)، و تسهيلا لتفعيل هذه الآلية وضعت وزارة العدل كل الامكانيات و الآليات الضرورية كوضع تطبيقة تسهل الاجراءات في إطار عصرنة العدالة التي عرفت تقدما كبيرا في الجزائر.

وفي الأخير يمكن إبراز بعض النتائج المتوصل إليها من خلال هذه المداخلة في النقاط التالية:

-أن الدفع بعدم الدستورية الذي تبناه المؤسس الدستوري في التعديل الدستوري 2016 جاء في وقته بعدم حرم الأفراد من حقهم في الاعتراض على القوانين التي تنتهك الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور الجزائري لهم.

-أن هذا الاجراء الذي أقره التعديل الدستوري 2016 خطوة في الطريق الصحيح رغم قصر التجربة الجزائرية في الرقابة على دستورية القوانين بالمقارنة مع التجربة الفرنسية التي اقرت هذا الاجراء بعد 50 سنة من أول دستور فرنسي أسس الرقابة عن طريق المحكمة الدستورية 1958.

-أن الدفع بعدم الدستورية له أهمية بالغة من منظور حقوق الانسان والحريات العامة، إذ يعتبر الوسيلة الفعالة من جانب الأفراد للدفاع عن حقوقهم وحرياتهم في مواجهة النصوص التشريعية والتنظيمية التي تنتهك تلك الحقوق والحريات.

 

1- المادة 63 من الدستور الجزائري الصادر بتاريخ 10 سبتمبر 1963.

2- صالح بلحاج، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري في الجزائر من الاستقلال إلى اليوم، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، سنة 2010، ص 309.

3- المادة 154/1 /2 من دستور 1989.

4- المادة 155 /1 /2 من نفس الدستور.

5- انظر: نص المادة 165 من دستور 1996.

6- انظر: المادة من دستور 1996.

7- المادة 182 من التعديل الدستوري لسنة 2016.

8- المادة 183/ 1 من نفس التعديل الدستوري.

9- المادة 188 من نفس التعديل الدستوري.

10- محمد بن محمد، الدفع بعد الدستورية في ظل التعديل الدستوري الجديد لسنة 2016، مقال منشور في الموقع التالي: https//dspace.univ-ouargla.dz، تاريخ الزيارة 24/12/2020، ص 5.

11- انظر: الزكراوي محمد، الدفع بعدم دستورية قانون ساري المفعول المحال على أنظار المحكمة الدستورية، المنشور في الموقع التالي: https// eimouhami.com، تاريخ الزيارة: 24/12/2020، ص 4.

12-أنظر المادة 2 من القانون العضوي 18 – 16 المحدد لشروط وكيفيات تطبيق الدفع بعدم الدستورية، المؤرخ في 02/09/2018، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 54 لسنة 2018، ص 10.

13- أنظر المادة 3 من القانون أعلاه.

14- انظر المادة 2 من القانون العضوي رقم 18 – 16 السابق الذكر.

15- انظر المادة 4 من القانون أعلاه.

16- أنظر المادة 6 من القانون أعلاه.

17- انظر المادة 7 من القانون أعلاه.

18- انظر المادة 8 من القانون أعلاه.

19- أنظر: عمار عباس، انفتاح القضاء الدستوري على المتقاضين ومساهمته في تنفيذ النظام القانوني: مجلة المجلس الدستور العدد 7، ص 31.

20- انظر: صلاح الدين محمد فوزي، الأفراد والدفع بعدم دستورية القوانين في النظام الدستوري الفرنسي، مقال منشور في الموقع التالي: https//redaomranlaw.blogspot.com، تاريخ الزيارة: 24/12/2020، ص 03.

21- ينظر المادة 13و14 من القانون العضوي رقم18ـ16 المذكور سابقا.

22- ينظر المادة 15 من القانون العضوي رقم18ـ16 المذكور سابقا.

ينظر المادة 18 من القانون العضوي رقم18ـ16 المذكور سابقا -23.

24- ينظر المادة 19و20 من القانون العضوي رقم18ـ16 المذكور سابقا.

25- ينظر المادة 21 من القانون العضوي رقم18ـ16 المذكور سابقا.

26- محمد اتركين، مرجع سابق، ص88.
27-جمال العزوزي، تأملات أولية في مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالدفع بعدم دستورية القوانين، المجلة المغربية للحكامة القانونية والقضائية، مطبعة الأمنية الرباط، مجلة نصف سنوية عدد 1،2016، ص119.

28- يامة إبراهيم، انعكاسات التعديلات الدستورية المتعلقة بالمجلس الدستوري الجزائر يعلى ضمان حقوق وحريات الافراد، مجلة الحقوق والعلوم الانسانية، عدد الاول 2017، ص178.

29- جمال العزوزي، مرجع سابق ص119.

30- ينظر المادة 22 من القانون العضوي رقم18ـ16 المذكور سابقا.

31- ينظر المادة 20 من النظام المحدد لقواد عمل المجلس الدستوري

32- (al.3)de l'article 8 de Règlement intérieur sur la procédure suivie devant le conseil constitutionnel pour les questions prioritaires de constitutionnalité INwww.conseil-constitutionnel.fr/conseil- constitutionnel/…question-pri..

33- ينظر المادة 23 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري.
34- محمد اتركين، المرجع السابق ص99.

35- ينظر، المادة26 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري، والمادة 33 من القانون العضوي رقم18ـ16 المذكور سابقا.

36- المادة 21 من القانون الاساسي المنظم للدفع بعدم الدستورية.

37- ينظر المادة 24 من النظام المحدد لقواعد عمل المجلس الدستوري.